sourati

مع الشيخ بوعمامة

مع الشيخ بوعمامة


في إحدى سنوات الجفاف شمرت قبائل الناحية العزم على زيارة الشيخ سيدي بوعمامة الغني عن كل تعريف بزاويته الموجودة آنذاك بالعيون ناحية وجدة . وبعد إتمام الزيارة أثناء دعاء الختم طلب الحضور من الشيخ سيدي بوعمامة أن يطلب لهم الله ليغيثهم بالمطر . فأجابهم : نطلب الله سبحانه أن يسقي البلاد والعباد . فكرروا له الطلب مرة ثانية، فأجابهم بمثل ما أجاب في المرة الأولى . وفي المرة الثالثة ألحوا عليه في الطلب، فتغير حاله وقال لهم جازما : "لاتنتظروا الغيث في هذا الوقت فإن الله حابسه عليكم " . ولما سمعوا منه ما سمعوا بصيغة الجزم إنصرفوا وهم غمرى بالأسى والأسف مما علموا من شأن المطر. وصادف أن سيدي الحاج الطيب إبن الشيخ سيدي بوعمامة ووارث سره كان عازما على سفر إلى الصحراء بعد ذلك بأيام . وكان سيدي أحمد بن الشيخ مخلفا بالمواشي في الطريق التي سيمر بها . فلما سمع بقرب مروره عرض على رفاقه فكرة إستضافته . إلا أنهم أبوا بدعوى أنهم على غير إستعداد، أي غير مزودين بأدنى لوازم إستضافة شخص سيدي الحاج الطيب الذي يحضى بمكانة رفيعة . مع الإشارة إلى أن الضيافات الكبرى كانوا يتآزرون عليها . ولما أيقن سيدي أحمد بن الشيخ من رفضهم عزم أن يقوم بالضيافة لوحده . ومنذ ذاك بدأ يترقب مرور إبن شيخه بلهف .




ولما أخبر بمجيئه إعترض سبيله . وبعد تبادل التحايا كما كان معهودا طلب منه أن يتناول عنده الفطور فأجابه على ذلك . وكانت العادة أنه إذا تم خلع السرج فأن الضيف سيقيم للغذاء بدون نقاش . وكان سيدي الحاج الطيب قد أمر أصحابه أن لا يتركوا السروج تزال لكي لا يتم إحراج سيدي أحمد علما منه أنه كان مخلفا فقط . أما سيدي أحمد بن الشيخ فقد أعطى بدوره الأوامر أن يبادروا إلى خلع سرج سيدي الحاج الطيب بمجرد نزوله من ظهر الجواد . وفعلا ما أن نزل حتى أسرع أحد الرجال إلى إزالة السرج من على صهوة جواده دون إستئذانه .وتمت بذلك ضيافة رسمية بدون ميعاد. وبعد نهاية الضيافة وختمها بدعاء كما هي العادة بدأ الضيوف في الأستعداد لإمتطاء الخيول لمواصلة الطريق . وقد أمسك سيدي أحمد بن الشيخ لسيدي الحاج الطيب بزمام الجواد . ولما إستوى على صهوته تمسك سيدي أحمد بن الشيخ بالرجل والركاب وقبض عليهما بحزم . وبعدما طلب منه دعاء الخير قال له : " يا سيدي إننا نريد المطر" . فأجابه سيدي الحاج الطيب : " نطلب الله أن يمطرنا جميعا مطر الرحمة والمنفعة " .فكرر له ثانية :

" ياسيدي إننا نريد المطر نحن في حاجة ماسة إليه" فأجابه بمثل ما أجابه في الأولى . وحينها زاد سيدي أحمد في قوة المسك على رجل سيدي الحاج الطيب وأقسم له بالله أن لا يتنحى عنها ما لم يقسم له على المطر، فلما رأى سيدي الحاج الطيب الإلحاح وصدق الطلب إختمر وأقسم له بالله أنها ستمطر في ذات اليوم، ولما سمع منه سيدي أحمد ذلك أطلق رجله وغمرته الفرحة والإرتياح . وتوادع الرجلان العظيمان . وإنصرف كل منهما لحال سبيله . وما هي إلا سويعات قلائل حتى تلبدت السماء بالغيوم بعد أن كانت في غاية الصفاء، وإنهمرت عيون السماء بأمطار الرحمة دامت على حالها ثلاثة أيام كاملة شملت جميع المنطقة الشرقية إلى غاية العيون حيث كان الشيخ سيدي بوعمامة بالزاوية .

وبعد أيام عاد الزوار إلى الزاوية عند الشيخ سيدي بوعمامة حامدين الله على ما رزقهم من أمطار الرحمة مكبرين ومهللين . فإستقبلهم على غير عادة في حالة غيم وخاطبهم قائلا : " إن ما سبق أن قلت إن الله قابض عليكم المطر كان حقا لولا أن إلتقى حبيبان فأقسم أحدهما للآخر على نزول المطر فإستجاب له الله وأبر قسمه، وكان ما رأيتم من هذا الخير الكثير" . لقد قال هذا الكلام في العيون وسيدي الحاج الطيب لازال في طريقه ذاهبا . وبعد ذلك بأيام جاء الخبر بتفصيل حول مرور سيدي الحاج الطيب بالظهرة وزيارته لسيدي أحمد بن الشيخ وما كان من شأن قسمه على المطر .

حينها فقط أدرك الناس ماذا كان يعني الشيخ سيدي بوعمامة في كلامه بالحبيبين وقسم أحدهما لللآخر في شأن الموضوع . إن هذه الكرامة لدلالة أخرى على علو المكانة التي كان يتمتع بها سيدي أحمد بن الشيخ من حيث : + المكانة الرفيعة التي كان يحضى بها عند شيخه سيدي بوعمامة والمحبة الصادقة التي كانت تربطه وإياه . + إطلاعه على المرتبة الربانية التي كان يتمتع بها سيدي الحاج الطيب وهي مرتبة قال عنها والده الشيخ بوعمامة حسب الرواية الموثوقة :

وقد أفرغت في الطيب كل ما أعطاه لي شيخي سيدي عبد القادر بن محمد . + علمه بقيمة المحبة الصادقة ثم حسن إستغلاله للفرصة السانحة رغم ما كان من علمه بشأن المطر . قد يخالج الإنسان العقلاني في شأن هذه الكرامة ما يخالج . وليس ذلك بغريب إذا ما قيست الأشياء بالعقل المجرد القاصر عن إدراك كنه أبسط الأشياء . أما من أيقن أن ما بعد حدود العقل عوالم وعوالم لاتدرك إلا بالقلب والبصيرة من طرف الذين سبقت له العناية، فلا شك أن نظرته تتغير حول هذه الكرامات التي تبدو للعقلاني من قبيل المستحيلات . وأود أن أذكر أخي العقلاني هذا : ألم يقل الله تعالى : ( يمح الله ما يشاء ويثبت ). ثم أليس سبحانه على ما يشاء قدير . ثم أليس سبحانه فعال لما يريد ولا يسأل عما يفعل .

ثم ألم يرد في النصوص الصحيحة أن من الأعمال ما يرفع المصائب ويزيد من الرزق بل ويزيد من العمر . إذا سلمنا بهذا جدلا ستعود هذه الكرامة في غاية الوضوح : فإذا كان في قدر الله سلفا إمساك المطر لأجل معين فلا غرابة أن يغيث الله عباده قبل حلول هذا الأجل إذا ما قدم العباد من الأعمال ما من شأنه أن يجري الله به قدرا جديدا . والذي يعنينا نحن في هذا الأمر هو الحرص على التعرض لنفحات الله بقيامنا بالأعمال الفاضلة حتى يدفع الله عنا قدرا بقدر . أما كيف يتم الدفع فذاك ليس من شأننا ولا من مقدور إدراكنا .