sourati

الحاج سعيد والإذن

الحاج سعيد والإذن


كان الحاج سعيد ( وهو أحد الذين تربوا في أحضان سيدي أحمد بن الشيخ ) كان يسكن بالعوينات ناحية جرادة . وكانت طائفة من أولاد شعيب من قبيلة بني كيل ناحية تندرارة يقدمون له خدمة كان يزورهم موسميا لأخذها . وكانت بإحدى السنوات جفاف حينما قرر كعادته أن يقوم برحلته إليهم برفقة أحد أقاربه . فبدأ أولا بزيارة شيخ الطريقة سيدي الحاج الطيب بالزاوية البوعمامية المعروفة على ضفة الواد الحي بالشمال الشرقي لعين بني مطهر . ثم تلاها بزيارة سيدي أحمد بن الشيخ الذي كان يقطن آنذاك بالظهرة بالجنوب الشرقي لعين بني مطهر . وعندما أراد سيدي أحمد أن يودعه قال له :

" يا سعيد إنك ذاهب إلى الخدام وإنك تعرف أن الناحية قاحلة وأن بالناس جفاف وإن شغلهم الشاغل هو سقوط المطر . وإن خدامك سيلحون عليك بطلب الغيث . فإن فعلوا ذلك فلا تتردد أن تقسم لهم إن الله سيمطرهم " . وإنصرف الحاج سعيد في غبطة عارمة لأنه كان يتوقع هذا الموقف الحرج وكان في حيرة من أمره كيف يجد عنه فكاكا . وهاهو الآن بعد تعليمات شيخه يذهب في ثقة وإرتياح . وبعدما أحسن الخدام ضيافته وجمعوا له الواجب قام بعضهم وقال له :




" يا سيدي سعيد أنت سيدنا وإبن سيدنا قد جئتنا من عند شيوخنا وأنت ترى ما بمواشينا وفلاحتنا من ضياع بسبب الجفاف إذ لم تمطر منذ ثلاثة أشهر، وأنت تعلم عهدنا معك ومع شيوخنا، وإننا لن نتركك تنصرف حتى تضمن لنا سقوط المطر" فأجابهم : " نطلب الله أن يغيثنا بالمطر النافع " . فكرروا له المقال ثانية وأجابهم بما أجابهم المرة الأولى . وبعدها قام له البعض وأمسكوا بثيابه قائلين :

" إننا لن نتركك تنصرف حتى تجزم لنا بنزول المطر" . ولما رأى منهم ما رأى ووصية سيدي أحمد بن الشيخ عالقة في ذهنه ماثلة بين عينيه أقسم لهم بالله ستمطر في يومهم ذلك بالذات . أقسم لهم وهم في قيلولة يوم صائف لا يرى على أديم السماء أدنى شيء من سحاب . أما الجماعة فما أن سمعت القسم حتى إنصرفوا فرحين مستبشرين وافري القصد لا يخامرهم أدنى شك . وكان تصرفهم هذا دليلا على صدق العهد وسلامة القصد . وأما رفيق الحاج سعيد فما أن إفترق الجمع حتى بقي يترقب السماء طمعا وتخوفا من أن يصير وصاحبه محل تنكيل وعتاب وفق ما كان مألوفا بين الناس إذا لم يتحقق سقوط المطر . وكلما مرت الدقائق إلا وإزداد حيرة حتى بدأ يفكر في الهروب بمجرد الغروب . أما الحاج سعيد الذي كان مأذونا فلم يكن إلا مبلغا لذا فقد ترك الشأن لصاحبه الذي كان له معه صادق العهد كامل القصد . ولهذا كان من الأمر على يقين . وهبت عناية الله لتغيث الخلائق وجاءت قدرة المجيب تبر القسم . فقد كان من ضمن الظمأى بهائم رتل وصبيان رضع وعباد ركع، تلكم الطوائف التي يغيث الله بها خلائق الأرض على الرغم مما ترتكب من فسوق وعصيان كما رود في معنى الحديث الشريف .

وكان هناك العبد الصالح سيدي أحمد بن الشيخ الذي إصطفته العناية الإلهية أن يكون من العباد الذين لو أقسموا على الله لأبرهم . ولا غرو فإن الله إذا أراد أن يكرم عبدا من عباده فإنه يقوم بالفعل وينسبه له لأنه فعال لما يريد . و لما حان الإصفرار بدأت السحب تتراكم وجادت على غرارها عيون السماء بقطرات الرحمة . الطل تلو الوابل . وإستمر الحال على ذلك طيلة ثلاثة أيام كاملة على المنطقة برمتها حتى كادت تهلك الخلائق .ولما تلاه الصحو هبت الناس بالهدايا للحاج سعيد وصاحبه تعبيرا منهم وتلميحا على الرضا والغبطة والإرتياح، وتقديرا منهم وتصريحا على المحبة والتسليم لشيوخهم الصلاح . وعاد الصاحبان بقطيع كبير من الغنم زائدة على المألوف وهم في درجة عالية من السرور والفرح، لا فقط على ما حصلوه من فائض المعروف، وإنما بالخصوص على ما عاينوه في الكرامة العظيمة التي تنسب إلى سيدي أحمد بن الشيخ الولي الصالح المعروف . ومن الأمور التي نلمسها في هذه الكرامة نذكر ما يلي :

- تصديق الحاج سعيد التام تجاه سيدي أحمد بن الشيخ حيث كان على يقين من وقوع الإستجابة .
- العلاقة القوية التي كانت تجمعه بسيدي أحمد بن الشيخ حتى جعلته يأذن له بالقسم بإسمه .
- النية البالغة لقبيلة أولاد شعيب في شيوخهم الشيء الذي جعلهم يجنون الثمار الطيبة .
- الدور الفعال الذي يلعبه اذن الشيخ . وهذا ما أدى إلى شبه إجماع العلماء على ضرورة إتخاذ الشيخ الذي يلعب دورا فعالا في حياة المريد في مجالات التربية والتوجيه والتلقين .